فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم، ولا طلبي لشيء من هذا الشأن، ولا حرصي عليه، ثم جئتكم بهذا الكتاب الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه، وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة، المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم؟
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله الناس الشر} الآية، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: اللهم لا تبارك فيه والعنه.
{لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} قال: لأهلك من دعا عليه وأماته.
وأخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، في الآية قال: قول الرجل للرجل: اللهم العنه، اللهم اخزه، وهو يحب أن يستجاب له.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في الآية قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
وحكى القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق، ومقاتل، في الآية قالا: هو قول النضر بن الحارث: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32].
فلو عجل لهم هذا لهلكوا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جريج، في قوله: {دَعَانَا لِجَنبِهِ} قال: مضطجعًا.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} قال: على كل حال.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي الدرداء، قال: ادع الله يوم سرّائك يستجاب لك يوم ضرّائك.
وأقول أنا: أكثر من شكر الله على السرّاء يدفع عنك الضرّاء.
فإن وعده للشاكرين بزيادة النعم مؤذن بدفعه عنهم النقم، لذهاب حلاوة النعمة عند وجود مرارة النقمة، اللهم اجمع لنا بين جلب النعم وسلب النقم، فإنا نشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان.
ونحمدك عدد ما حمدك الحامدون بكل لسان في كل زمان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {ثُمَّ جعلناكم خلائف في الأرض} الآية، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال: صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا.
فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار، والسرّ والعلانية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن جريج، قال: {خلائف في الأرض} لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ} قال: هذا قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أعلمكم به.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، قال: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} ولا أشعركم به.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ {ولا أنذرتكم به}.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مّن قَبْلِهِ} قال: لم أتل عليكم ولم أذكر.
وأخرجا عنه قال: لبث أربعين سنة قبل أن يوحى إليه ورأى الرؤيا سنتين، وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة، وعشرًا بالمدينة، وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، والترمذي، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ولا أدراكم به} يقول: أعلمكم به.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولا أدراكم به} يقول: ولا أشعركم به.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن، أنه قال: {ولا أدرأتكم به} يعني بالهمز قال الفراء: لا أعلم هذا يجوز من دريت ولا أدريت إلا أن يكون الحسن همزها على طبيعته، فإن العرب ربما غلطت فهمزت ما لم يهمز.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما. أنه كان يقرأ {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أنذرتكم به}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولا أنذرتكم به} قال: ما حذرتكم به.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله} قال: لم أتل عليكم ولم أذكر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله} قال: لبث أربعين سنة قبل أن يوحى إليه، ورأى الرؤيا سنتين، وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة وعشرًا بالمدينة، وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.
وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه. أنه سئل بسن أي الرجال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ بعث؟ قال: كان ابن أربعين سنة.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الشعبي قال: نزلت النبوة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين، فكان يعلمه الحكمة والشيء لم ينزل القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه عشرين، عشرًا بمكة وعشرًا بالمدينة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين، فأقام بمكة عشرًا وبالمدينة عشرًا، وتوفي على رأس ستين سنة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ}
قوله تعالى: {وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ}: أي: ولا أَعْلمكم الله به، مِنْ دَرَيْتُ، أي: علمتُ. ويقال: دَرَيْتُ بكذا وأَدْرَيْتك بكذا، أي: أحطت به بطريق الدِّراية، وكذلك في علمت به فَتَضَمَّن العلمُ معنى الإِحاطة فتعَدَّى تَعْدِيَتَها.
وقرأ ابنُ كثير بخلاف عن البزي {ولأَدْراكم} بلام داخلة على أَدْراكم مثبتًا. والمعنى: ولأُعْلِمَكم به من غير وساطتي: إمَّا بوساطة مَلَكٍ أو رسولٍ غيري من البشر، ولكنه خَصَّني بهذه الفضيلة.
وقراءةُ الجمهور لا فيها مؤكدةٌ؛ لأنَّ المعطوفَ على المنفيّ منفيّ، وليست لا هذه هي التي يُنْفَى بها الفعل، لأنه لا يَصِحُّ نفيُ الفعل بها إذا وقع جوابًا، والمعطوفُ على الجواب جواب، ولو قلت: لو كان كذا لا كان كذا لم يَجُزْ، بل تقول: ما كان كذا.
وقرأ ابن عباس والحسن وابن سيرين وأبو رجاء: {ولا أَدْرَأْتُكم به} بهمزةٍ ساكنةٍ بعد الراء. وفي هذه القراءةِ تخريجان:
أحدهما: أنها مُبْدَلةٌ من ألف، والألف منقلبةٌ عن ياءٍ لانفتاحِ ما قبلها وهي لغةٌ لعُقَيْلٍ حكاها قطرب، يقولون في أعطيتك: أعطأتك. وقال أبو حاتم: قَلَبَ الحسنُ الياءَ ألفًا، كما في لغة بني الحرث يقولون: عَلاَك وإلاك، ثم هَمَزَ على لغة من قال في العالم: العَأْلَم، وقيل: بل أُبْدلت الهمزة من نفس الياء نحو: لَبَأْتُ بالحج ورثَأْت فلانًا، أي: لبَّيْتُ ورَثَيْتُ.
والثاني: أن الهمزة أصلية وأن اشتقاقه مِنَ الدَّرْء وهو الدّفْع كقوله: {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب} [النور: 8]، ويقال: أَدْرأته، أي: جَعَلْته دارِئًا، والمعنى: ولأَجْعَلَنَّكم بتلاوته خُصَماء تَدْرَؤُونني بالجدال.
قال أبو البقاء: وقيل: هو غلط، لأنَّ قارِئَها ظَنَّ أنها من الدَّرْءِ وهو الدَّفْعُ. وقيل: ليس بغلطٍ والمعنى: لو شاء اللَّه لدَفَعَكم عن الإِيمان به.
وقرأ شهر بن حوشب والأعمش: {ولا أَنْذَرْتُكم} من الإِنذار، وكذلك هي في حرف عبد الله.
والضمير في {قبله} عائد على القرآن. وقيل: على النزول. وقيل: على وقت النزول. و{عُمُرًا} مشبهٌ بظرف الزمان فانتصبَ انتصابَه، أي: مدة متطاولة. وقيل: هو على حَذْف مضاف، أي: مقدار عُمُر.
وقرأ الأعمش {عُمْرًا} بسكون الميم كقولهم: عَضْد في عَضُد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قد عِشْتُ فيكم زمانًا، وعرفتم أحوالي فيما تطلبون مني عليه برهانًا، فما ألفيتموني (...) بل وجدتموني في السداد مستقيمًا، وللرشاد مستديمًا، فلولا أَنَّ الله تعالى أرسلني، ولِمَا حَمَّلني مِنْ تكليفه أَهَّلَني لمَا كنتُ بهذا الشرع آتِيًا ولا لهذا الكتاب تاليًا.
{اَفَلاَ تَعْقِلُونَ} مالكم تعترضون؟ ولا لأنفسكم تنظرون؟. اهـ.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال الفخر:
واعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها ظاهر، وذلك لأنهم التمسوا منه قرآنًا يذكره من عند نفسه، ونسبوه إلى أنه إنما يأتي بهذا القرآن من عند نفسه، ثم إنه أقام البرهان القاهر الظاهر على أن ذلك باطل، وأن هذا القرآن ليس إلا بوحي الله تعالى وتنزيله، فعند هذا قال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} والمراد أن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله، لما كان في الدنيا أحد أظلم على نفسه مني، حيث افتريته على الله، ولما أقمت الدلالة على أنه ليس الأمر كذلك، بل هو بوحي من الله تعالى وجب أن يقال إنه ليس في الدنيا أحد أجهل ولا أظلم على نفسه منكم، لأنه لما ظهر بالبرهان المذكور كونه من عند الله، فإذا أنكرتموه كنتم قد كذبتم بآيات الله.
فوجب أن تكونوا أظلم الناس.
والحاصل أن قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} المقصود منه نفي الكذب عن نفسه وقوله: {أوكذَّب بآياته} المقصود منه إلحاق الوعيد الشديد بهم حيث أنكروا دلائل الله، وكذبوا بآيات الله تعالى.
وأما قوله: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ المجرمون} فهو تأكيد لما سبق من هذين الكلامين، والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فمن} أي فهو سبب لأن يقال: من {أظلم ممن افترى} أي تعمد {على الله} أي الذي حاز جميع العظمة {كذبًا} أي أيّ كذب كان، وكان الأصل: مني، على تقدير أن لا يكون هذا القرآن من عند الله كما زعمتم، ولكنه وضع هذا الظاهر مكانه تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف {أو كذب بآياته} كما فعلتم أنتم، وذلك من أعظم الكذب.
ولما كان التقدير: لا أحد أظلم منه فهو لا يفلح لأنه مجرم، علله بقوله مؤكدًا لأجل إنكارهم: {إنه لا يفلح} أي بوجه من الوجوه {المجرمون} فد وضح أن المقصود نفي الكذب عن نفسه صلى الله عليه وسلم وإلحاق الوعيد حيث كذبوا بالآيات بعد ثبوت أنها من عند الله والإعلام بأنه لا أحد أظلم منهم لأنهم كذبوا على الله في كل ما ينسبونه إليه مما نهى عنه وكذبوا بآياته، والإتيان بالغير قد يكون مع وجود الأول والتبديل لا يكون إلاّ برفع الأول ووضع غيره مكانه؛ والتلقاء: جهة مقابلة الشيء، أتبعه بمجيئه بعده؛ والمشيئة خاصة تكون سببًا مؤديًا إلى وقوع الشيء، ومرتبًا له على وجه قد يمكن أن يقع خلافه، والإرادة نظيرها؛ والعقل: العلم الغريزي الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {فمن أظلم} الآية.
جاء في هذه الآية التوقيف على عظم جرم المفتري على الله بعد تقدم التنصل من ذلك قبل، فاتسق القول واطردت فصاحته، وقوله: {فمن أظلم} استفهام وتقرير أي لا أحد أظلم {ممن افترى على الله كذبًا}، أو ممن {كذب بآياته} بعد بيانها، وذلك أعظم جرم على الله وأكثر استشراف إلى عذابه، ثم قرر {إنه لا يفلح} أهل الجرم، و{يفلح} معناه يظفر ببغيته. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا} يريد: إِني لم أفْتَرِ على الله ولم أكذب عليه، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أن معه شريكًا.
والمجرمون هاهنا: المشركون. اهـ.